الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن
والجذل أصل الشجرة إذا قطع أغصانها، ومنه قول القائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك.وكان قتادة يتأول هذا الحديث فيجعله على الردة في زمن أبي بكر رضي الله عنه.قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب ومحمد بن عيسى قالا: حَدَّثنا حماد عن أيوب، عَن أبي قلابة، عَن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض أو قال إن ربي زوى لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض واني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامَّة ولا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم»، وذكر حديثًا فيه طول.قوله: «زوى لي الأرض» معناه قبضها وجمعها، ويقال انزوى الشيء إذا انقبض وتجمع وقوله: «ما زوي لي منها» يتوهم بعض الناس أن حرف من هاهنا معناه التبعيض فيقول كيف اشترط في أول الكلام الاستيعاب ورد آخره إلى التبعيض، وليس ذلك على ما يقدرونه؛ وإنما معناه التفصيل للجملة المتقدمة والتفصيل لا يناقض الجملة ولا يبطل شيئًا منها لكنه يأتي عليها شيئًا شيئًا ويستوفيها جزءًا حزءًا، والمعنى أن الأرض زويت جملتها له مرة واحدة فرآها ثم يفتح له جزء جزء منها حتى يأتي عليها كلها فيكون هذا معنى التبعيض فيها، والكنزان هما الذهب والفضة.وقوله: «لا يهلكها بسنة عامة» فإن السنة القحط والجدب، وإنما جرت الدعوة بأن لا تعمهم السنة كافة فيهلكوا عن آخرهم، فأما أن يجدب قوم ويخصب آخرون فإنه خارج عما جرت به الدعوة، وقد رأينا الجدب في كثير من البلدان وكان عام الرمادة في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووقع الغلاء بالبصرة أيام زياد ووقع ببغداد في عصرنا الغلاء فهلك خلق كثير من الجوع، إلاّ أن ذلك لم يكن على سبيل العموم والاستيعاب لكافة الأمة فلم يكن في شيء منها خلف الخبر.قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن البراء بن ناجية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تدور رحى الإسلام بخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فإن يهلكوا فسبيل من هلك وإن يقم لهم دينهم يُقم لهم سبعين عامًا، قال: قلت مما بقي أو مما مضى قال مما مضى».قال الشيخ: قوله: «تدور رحى الإسلام» دوران الرحى كناية عن الحرب والقتال شبهها بالرحى الدوارة التي تطحن الحب لما يكون فيها من تلف الأرواح وهلاك الأنفس قال الشاعر يصف حربًا: وقال زهير: وقال صعصعة جد الفرزدق أتيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه حين رفع يده عن مرحى الجمل يريد حرب الجمل.وقوله: «وإن يقم لهم دينهم» يريد بالدين هاهنا الملك، قال زهير: يريد ملك عمرو. ولايته.قلت: ويشبه أن يكون أريد بهذا ملك بني أمية وانتقاله عنهم إلى بني العباس رضي الله عنه وكان ما بين أن استقر الأمر لبني أمية إلى أن ظهرت الدعاة بخراسان وضعف أمر بني أمية ودخل الوهن فيهم نحوًا من سبعين سنة.قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثني يونس عن ابن شهاب حدثني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتقارب الزمان وينقص العلم وتظهر الفتن ويلقى الشح ويكثر الهرج قيل يا رسول الله أيُّمَ هو قال القتل».قال الشيخ: قوله: «يتقارب الزمان» معناه قصر زمان الأعمار وقلة البركة فيها. وقيل هو دنو زمان الساعة، وقيل هو قصر مدة الأيام والليالي على ما روي أن الزمان يتقارب حتى تكون السنة كالشهر؛ والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق السعفة، والهرج أصله القتال، يقال رأيتهم يتهارجون أي يتقاتلون، وقوله: «أيم هو» يريد ما هو، وأصله أيما هو فخفف الياء وحذف الألف كما قيل أيش ترى في أي شيء ترى.قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد، عَن أبي عمران الجوني عن المشعَّث بن طريف عن عبد الله بن الصامت، عَن أبي ذر قال: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر قلت لبيك وسعديك، وذكر الحديث قال فيه كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف، قلت الله ورسوله أعلم أو قال ما خار الله لي ورسوله قال عليك بالصبر أو قال تصبر، ثم قال لي يا أبا ذر قلت لبيك وسعديك، قال كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم قلت ما خار الله لي ورسوله، قال عليك بمن أنت منه قال: قلت يا رسول الله أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي، قال شاركت القوم إذن، قلت فما تأمرني قال تلزم بيتك، قلت فإن دخل على بيتي، قال فإن خشيت أن يبهَرَك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه».قال أبو داود لم يذكر المشعث في هذا الحديث غير حماد بن زيد.قال الشيخ: البيت هاهنا القبر والوصيف الخادم يريد أن الناس يشغلون عن دفن موتاهم حتى لا يوجد فيهم من يحفر قبرًا لميت ويدفنه إلاّ أن يعطي وصيفًا أو قيمته والله أعلم.وقد يكون معناه أن مواضع القبور تضيق عنهم فيبتاعون لموتاهم القبور كل قبر بوصيف، وقوله: «يبهرك شعاع السيف» معناه يغلبك ضوءه وبريقه والباهر المضيء الشديد الإضاءة قال الشاعر: وقد يحتج بهذا الحديث من يذهب إلى وجوب قطع النباش وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى القبر بيتًا فدل على أنه حرز كالبيوت.قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج بن محمد حدثنا الليث بن سعد حدثني معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير حدثه عن أبيه عن المقداد بن الأسود قال ايْمُ الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر فواهًا».قال الشيخ: واهًا كلمة معناها التلهف وقد يوضع أيضًا موضع الإعجاب بالشيء فإذا قلت ويهًا كان معناها الإغراء.قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسلمة عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه، عَن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن».قال الشيخ: شعف الجبال أعاليها، وفيه الحث على العزلة أيام الفتن.
وقوله: «معنقًا» يريد خفيف الظهر يعنق في مشيه سير المخف؛ والعنق ضرب من السير وسيع يقال أعنق الرجل في سيره فهو معنق، ورجل معنق وهو من نعوت المبالغة، وبلح معناه أعيا وانقطع، ويقال بلح عليَّ الغريم إذا قام عليك فلم يعطك حقك وبلحت الركية إذا انقطع ماؤها.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة في قصة المهدي قال: «ويعمل في الناس بسنة نبيهم ويُلقي الإسلام بجِرانه إلى الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون».قال الشيخ: الجران مقدم العنق وأصله في البعير إذا مد عنقه على وجه الأرض فيقال ألقى البعير جرانه، وإنما يفعل ذلك إذا طال مقامه في مناخه فضرب الجران مثلًا للإسلام إذا استقر قراره فلم يكن فتنة ولا هيج وجرت أحكامه على العدل والاستقامة.
|